في عمر الزهور.. الشباب يعيش أزمة سعادة!
في مرحلة يُقال عنها 'عمر الزهور'، حيث يُفترض أن تكون الأكثر إشراقًا وحيوية في حياة الإنسان، يشعر ملايين الشباب حول العالم بأنّهم عالقون في دوّامة من القلق والتشاؤم وانعدام المعنى.
هذا ما تكشفه دراسة عالمية جديدة، أظهرت تراجعًا لافتًا في مستويات السعادة والرفاه لدى من تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة. فلم تعد تلك الفئة، التي لطالما مثّلت رمز الطموح والتجدّد، قادرة على الإيمان بغدٍ أفضل. تراجعٌ مثير للتساؤل، خاصةً وأنّ الشباب كانوا دومًا عنوان الأمل والتفاؤل.
فما الذي يدفع جيلًا وُلد في عصر الإمكانيات إلى الإحساس بالعجز؟ وأين ضاعت الطمأنينة في خضم سباق لا يتوقف نحو المستقبل؟ فهل أرهقتهم الأزمات المتتالية؟ أم أنّ الحلم صار أثقل من أن يُحمل في زمن يضيق بالفرص ويتّسع بالقلق؟..
أزمة سعادة في عمر الشباب!
دراسة عالمية جديدة تُبيّن أنّ البالغين الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما، يعانون من تراجع في مستويات السعادة والازدهار مقارنة بما كانوا عليه في السابق.
ونقلا عن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإنّ هذه الدراسة تعد جزءا من "دراسة الازدهار العالمي" التي أجراها باحثون من جامعة هارفارد وجامعة بايلور، التي شملت أكثر من 200,000 شخص من 20 دولة حول العالم، والتي كشفت عن أنّ الشباب في العديد من البلدان يعانون من مشاكل صحية عقلية وجسدية، ويواجهون تحديات في إيجاد معنى لحياتهم وفي بناء علاقات اجتماعية ناجحة.
ويقول الباحث الرئيس في الدراسة ومدير برنامج الازدهار البشري في هارفارد إنّ النتائج تثير سؤالا مهما: "هل نستثمر بما فيه الكفاية في رفاهية الشباب؟".
ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب
وقد أظهرت البيانات أنّ الرفاهية بين الشباب أقلّ من المتوسّط، مع ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، فضلا عن انخفاض المشاركة في الأنشطة الاجتماعية.
وأشار تقرير آخر من كلية التعليم في جامعة هارفارد لعام 2023 إلى أنّ الشباب في الولايات المتحدة يعانون من ضعف في الصحة النفسية مقارنة بالمراهقين، حيث سجلوا معدلات مرتفعة من القلق والاكتئاب.
بين الأزمات والقلق: ما الذي يسلب سعادة هذا الجيل؟
يرى الباحثون أنّ هذا الانحدار في مؤشرات السعادة والرفاه لدى الشباب ليس وليد ظرف واحد، بل نتيجة تراكُم جملة من العوامل المتشابكة. ومن بين أبرز الأسباب، تأتي الضغوط الاقتصادية وعدم الاستقرار المهني في المقدّمة، حيث يعيش الكثير من الشباب في قلق دائم بشأن مستقبلهم المادي وفرص العمل. كما يلعب تغيّر طبيعة العلاقات الاجتماعية دورًا محوريًا، فالعزلة الرقمية، وانخفاض جودة الروابط العائلية والإنسانية، جعلت كثيرين يشعرون بالوحدة حتى وسط الزحام.
وأشار الباحثون إلى أنّ العزلة الاجتماعية، والانشغال بالشاشات، وتزايد الضغط المجتمعي لتحقيق الكمالية من أبرز العوامل التي تسهم في تدهور رفاهية الشباب.
* اقرأ أيضا: في عالم مليء بالضغوط.. هكذا تستعيد توازنك النفسي
وقالت لوري سانتوس؛ أستاذة علم النفس في جامعة ييل: "الدراسة تلو الأخرى تظهر أنّ الاتصال الاجتماعي أمرٌ حاسمٌ للسعادة، والشباب يقضون وقتاً أقل مع أصدقائهم مما كانوا عليه قبل عقدٍ من الزمان".
وأضافت الدكتورة إميليانا آر. سيمون-توماس؛ مديرة العلوم في مركز العلوم للخير الأعظم بجامعة كاليفورنيا، أنّ "رفاهنا يعتمد على رفاهية كل إنسانٍ آخر. نحن لا نستطيع أن نكون سعداء ونضع سياجاً حول أنفسنا".
إلى جانب ذلك، ساهمت الأزمات العالمية، من جائحة كورونا إلى الحروب وتغيّر المناخ، في ترسيخ شعور عام بعدم الأمان. كما أنّ تسارع نمط الحياة، وضغوط الإنجاز الدائم، والتركيز على الأداء بدل الراحة، أفرزت حالة من الإرهاق المزمن.

ففي عالم يتغيّر بوتيرة غير مسبوقة، أصبح من الطبيعي أن يشعر الأفراد، بمختلف أعمارهم، بضغط دائم وتراجع في مشاعر السعادة والطمأنينة. ومن بين أبرز الأسباب، يأتي الإجهاد اليومي المرتبط بالسرعة المفرطة في نمط الحياة، وغياب التوازن بين العمل والحياة الشخصية. ولا يمكن إغفال ضعف الروابط الاجتماعية، وغياب المجتمعات الداعمة، وهو ما يجعل الكثيرين يشعرون بالوحدة حتى وسط الزحام. كل هذه العوامل مجتمعة تُنتج مناخًا عامًّا من التوتر النفسي، وتدفع كثيرين إلى البحث عن معنى مفقود في زحام التفاصيل اليومية.
قواعد السعادة السبع
لنتعرّف على القواعد السبع للسعادة، وفق ما ذكر عدد من المواقع والمنصّات المتخصصة، مثل "سيكولوجي توداي" و"ويب ميد" و"بوزتيف سيكولوجي" و"مايو كلينك" ، وغيرها:
√ اتخذ قرارا واعيا بأن تكون سعيدا: الخطوة الأولى والأهم هي أن تتخذ قرارا واعيا تماما بأن تكون سعيدا، وأن تؤكد لنفسك مرارا وتكرارا أنك تستحق السعادة، بصرف النظر عن الظروف أو أي شيء آخر.
√ الامتنان على ما لديك من نِعَم لا يملكها غيرك: ينسى التعساء -في أحيان كثيرة- ما يملكون من نِعَم، ولا يفكّرون إلا بما ينقصهم، فيزدادون بؤسا. إذا لم تكن تملك المال، فتذكر أنك تعيش بصحة جيدة، وأن كثيرين غيرك ممن يملكون الأموال يعيشون على حمية خاصة تمنعهم من التلذذ بالطعام والشراب.
يملك كل واحد فينا عددا لا يحصى من النعم، ولكننا للأسف لا نفكر بما نملك بل ننظر دائما إلى النصف الفارغ من الكأس. لذا، توقف وفكّر بما تملكه أنت مما قد يكون حلما من الأحلام عند غيرك.
√ نعمة التسامح: يعد جزء كبير من تعاسة البشر مزيجا من مشاعر الحقد والضغينة وعدم القدرة على التسامح والغفران. وهناك من يحمل الضغينة ضد غيره من البشر لأتفه الأسباب، مثل كلمة قد لا تكون مقصودة هنا أو هناك.
لذا، تعلّم التسامح والبعد عن الضغينة كي تحصل على الطمأنينة، فمثل هذه المشاعر السلبية تؤثر في صحة البشر الجسدية والعقلية، وفق بحوث ودراسات كثيرة. ومن طرق الحد من هذه المشاعر: "تعزيز التسامح"، كما يؤكد الباحثان مايكل ماكولو وروبرت إيمونز في دراستهما "سيكولوجية السعادة".
√ مواجهة الأفكار والمشاعر السلبية والتحكّم بها: من أهم طرق تحسين الصحة العقلية: القدرة على التحكّم بالمشاعر والأفكار السلبية. يشبه العالم جون هايدت في كتابه "فرضية السعادة" (The Happiness Hypothesis) العقل بالرجل الذي يركب فيلاً، ويمثل الفيل الأفكار والمشاعر القوية -وهي في معظمها مشاعر غير واعية- التي تحرك سلوكك وتدفعك إلى التصرف بهذه الطريقة أو تلك.
* اقرأ يضا: متعب ومزاجك متقلّب؟ إليكَ كيف يؤثر هرمون التوتر 'الكورتيزول' على حياتك
هنا، يأتي دور العقل الذي يمثل الإنسان في الرجل الذي يركب الفيل. صحيح أنه أضعف بكثير من الفيل، لكنه قادر على توجيهه والتحكّم به. كما يمكنك التحكّم بالأفكار والمشاعر السلبية التي تجتاح لا وعيك في أحيانٍ كثيرة. ويرى هايدت أن "المفتاح هو الالتزام بالقيام بالأشياء الضرورية لإعادة تدريب الفيل".
يمكنك مثلا ممارسة التأمل والتنفس المنتظم واليوغا، أو تقنيات الاسترخاء، لتهدئة القلق وتعزيز الصفاء. كما يمكنك أن تتعلم كيف تتعرف وتتحدى الأفكار التي تراودك بشأن كونك غير كافٍ وعاجز، والتي تؤدي بك إلى الشعور بالتعاسة. يقول هايدت: "إذا تعلمت تقنيات لتحديد الأفكار السلبية، فمن السهل تحديها".
√ المال لا يشتري السعادة: تُظهر البحوث أنه بمجرد أن يرتفع دخل الإنسان فوق مستوى خط الفقر، فإن المزيد من المال يجلب القليل من السعادة الإضافية. يقول دانيال غيلبرت في كتابه "التعثر بالسعادة" (Stumbling on Happiness): "بصرف النظر عما نحققه في السعي وراء الأشياء، فلن يؤدي ذلك أبداً إلى حالة دائمة من السعادة".
وبينما يساعد المال في إضفاء السعادة والرضا على حياتك، فإنه لن يكون له التأثير ذاته على الجميع. "فإذا كانت حياتك تفتقد بعض الأشياء الأخرى، فإن المزيد من المال لن يؤدي إلى رفاهيتك وسعادتك"، بحسب منصة "سي إن بي سي"، معتبرة أن هناك أشياء كثيرة لا يستطيع المال شراءها أو تحقيقها، ولكنك ستجد مزيداً من الرضا في الحياة إذا حدّدت وركزت على المجالات التي تجلب لك أكبر قدر من السعادة ، مثل علاقاتك أو هواياتك أو مهنتك.

√ الصداقة أفضل دواء للتعاسة: تُعد الصداقات الوثيقة مع من ترتبط معهم بتفاهمات روحية وعقلية وفكرية عميقة أهم دواء ضد التعاسة. والصداقة تأتي في المرتبة الأولى مع الأكل الصحي وممارسة الرياضة كاستثمار ضروري في صحتك، إذ إن للصداقة فوائد صحية وجسدية وعاطفية طويلة الأجل.
√ المشاركة في نشاطات ذات مغزى: جلوسك أمام شاشة التلفاز أثناء أوقات فراغك لن يؤدي بك إلى السعادة، بل إلى مزيد من الخمول. ولكن الانخراط في نشاطات اجتماعية ذات مغزى قد يجلب لك الكثير من الرضا والإحساس بالسعادة، بحيث يصبح دماغك مستغرقاً تماماً في هذا النوع من النشاطات.
وفي حالة المتقاعدين وكبار السن، ممن قد يجدون أنفسهم يمضون وقتاً طويلاً بمفردهم في المنزل، فإن هذا مؤذٍ جداً لحالتهم النفسية وصحتهم العقلية، ويمكن أن يزيد من مشاعر الاكتئاب أو القلق، مما قد يكون له تأثير سلبي على جوانب الأخرى لصحتك إذا كنت منهم.
وإذا وجدت نفسك تمضي الكثير من الوقت بمفردك، فحاول المشاركة في النشاطات التي تجدها مفيدة، تلك التي تولّد إحساساً بالهدف في حياتك اليومية. يمكن أن تشمل هذه الهوايات والنشاطات التطوعية في خدمة المجتمع، أو تمضية الوقت مع العائلة والأصدقاء.
* إعــــــداد: أمـل منّاعـــي